فصل: (سورة البقرة: آية 196):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.اللغة:

{ثقفتموهم} وجدتموهم، وثقف الشيء: أخذه أو ظفر به أو أدركه، وثقفت العلم والصناعة في أوحى مدة إذا أسرعت أخذه، وغلام ثقف لقف، وقد ثقف ثقافة بفتح الثاء، والثاء والقاف تدلان على معنى الأخذ على وجه الغلبة إذا اجتمعتا في أول الكلمة، فالثقل معروف ينوء به صاحبه لأنه يغلبه وينوءه، وأثقله المرض غلبه، والثقال بفتح الثاء: المرأة العظيمة الكفل، الثقيلة التصرف.
قال الراعي:
ثقال إذا راد النساء فريدة ** صناع فقد صادت لدى الغوانيا

وثقب الشيء بالمثقب، وثقب اللّآل الدرة وثقبن البراقع لعيونهن.
قال المثقب العبدي:
أرين محاسنا وكننّ أخرى ** وثقّبن الوصاوص للعيون

.الإعراب:

{وَقاتِلُوا} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان أحكام القتال، وهي أول آية نزلت في المقاتلة في المدينة لإعلاء كلمة اللّه. وقاتلوا فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الجار والمجرور متعلقان بقاتلوا {الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} اسم الموصول مفعول به، وجملة يقاتلونكم صلة {وَلا تَعْتَدُوا} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتعتدوا فعل مضارع مجزوم بلا، والواو فاعل {إِنَّ اللَّهَ} إن واسمها {لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} لا نافية، ويحب فعل مضارع مرفوع، والفاعل مستتر يعود على اللّه، والمعتدين مفعول به، وجملة لا يحب المعتدين خبر إن، وجملة إن وماتلاها تعليلية {وَاقْتُلُوهُمْ} عطف أيضا، وكرر الأمر بقتلهم للتأكيد {حَيْثُ} ظرف مكان مبني على الضم متعلق باقتلوهم {ثَقِفْتُمُوهُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والميم علامة جمع الذكور وقد أشبعت بالواو الزائدة، والجملة الفعلية في محل جر بالإضافة {وَأَخْرِجُوهُمْ} عطف على اقتلوهم {مِنْ حَيْثُ} أدخل حرف الجر على حيث، ولا يجر إلا بها وبالباء، والجار والمجرور متعلقان بأخرجوهم {أَخْرَجُوكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل جر بالإضافة {وَالْفِتْنَةُ} الواو اعتراضية والفتنة مبتدأ {أَشَدُّ} خبر {مِنَ الْقَتْلِ} الجار والمجرور متعلقان بأشدّ، والجملة اعتراضية لا محل لها جارية مجرى المثل كما سيأتي {فَإِنْ} الفاء استئنافية، وإن شرطية {قاتَلُوكُمْ} فعل ماض مبني على الضم، والواو فاعل، والكاف مفعول به، والفعل في محل جزم فعل الشرط {فَاقْتُلُوهُمْ} الفاء رابطة لجواب الشرط، واقتلوهم فعل أمر وفاعل ومفعول به، وجملة فاقتلوهم في محل جزم جواب الشرط {كَذلِكَ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {جَزاءُ الْكافِرِينَ} مبتدأ مؤخر والجملة استئنافية {فَإِنِ} الفاء استئنافية، وإن شرطية {انْتَهَوْا} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط {فَإِنِ} الفاء رابطة لجواب الشرط، وإن حرف مشبه بالفعل {اللَّهَ} اسم إن {غَفُورٌ رَحِيمٌ} خبران لإن.

.البلاغة:

في قوله تعالى: {والفتنة أشد من القتل} فن إرسال المثل، فهي جملة مسوقة مساق المثل، لأن الإخراج من الوطن هو الفتنة التي ما بعدها فتنة، وقيل لبعضهم: ما أشدّ من الموت؟ قال: الذي يتمنّى معه الموت، والإخراج من الوطن بمثابة إخراج الروح من الجسم. قال ابن الرومي:
فقد ألفته النفس حتى كأنه ** لها جسد إن بان غودر هالكا

ولعل زعيم الشعراء المبدعين فيه أبو الطيب المتنبي.
ولو أردنا الاقتباس لضاق بنا المجال وحسبك أن ترجع إلى ديوانه لتجد ما يستهويك.

.[سورة البقرة: الآيات 193- 194]:

{وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194)}.

.الإعراب:

{وَقاتِلُوهُمْ} الواو حرف عطف، وقاتلوهم فعل أمر وفاعل ومفعول به. أمرهم بالقتال تفاديا لطروء الفتنة، وهي الإخراج من الوطن {حَتَّى} حرف غاية وجر، والمراد به هنا التعليل {لا} نافية {تَكُونَ} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، وهي هنا تامة، والجار والمجرور متعلقان بقاتلوهم، و{فِتْنَةٌ} فاعل تكون {وَيَكُونَ} عطف على تكون وهي هنا ناقصة {الدِّينُ} اسمها {لِلَّهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبرها، ولا يبعد أن تكون تامة أيضا، فيكون الدين فاعلا والجار والمجرور متعلقين بمحذوف حال، أي خالصا للّه {فَإِنِ} الفاء استئنافية، وإن شرطية {انْتَهَوْا} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط {فَلا} الفاء رابطة لجواب الشرط، ولا نافية للجنس {عُدْوانَ} اسمها المبنى على الفتح {إِلَّا} أداة حصر {عَلَى الظَّالِمِينَ}.
الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لا والجملة في محل جزم جواب الشرط {الشَّهْرُ الْحَرامُ} الشهر مبتدأ، والحرام صفة {بِالشَّهْرِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر، ولابد من حذف مضاف، أي هتك حرمة الشهر الحرام، وهو ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة وبهتك حرمة الشهر الحرام وهو ذو القعدة من السنة السادسة فقد قاتلوكم عام الحديبية، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء في ذي القعدة من السنة السابعة وكراهيتهم القتال فيه: هذا الشهر مقابل بهذا الشهر وهتكه بهتكه وجزاء كل شرّ شرّ مثله {الْحَرامُ} صفة والجملة استئنافية {وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ} الواو عاطفة، والحرمات مبتدأ، وقصاص خبر {فَمَنِ} الفاء الفصيحة، ومن شرطية مبتدأ {اعْتَدى} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط {عَلَيْكُمْ} الجار والمجرور متعلقان باعتدى {فَاعْتَدُوا} الفاء رابطة لجواب الشرط واعتدوا فعل أمر مبني على حذف النون، والواو فاعل، والجملة في محل جزم جواب الشرط، والجملة الواقعة بعد الفاء الفصيحة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {عَلَيْهِ} الجار والمجرور متعلقان بقوله فاعتدوا {بِمِثْلِ} الجار والمجرور متعلقان باعتدوا أو بمحذوف حال {مَا} مصدرية {اعْتَدى} فعل ماض، والمصدر المنسبك من ما واعتدى مضاف إليه أي بمثل اعتدائه {عَلَيْكُمْ} الجار والمجرور متعلقان باعتدى {وَاتَّقُوا اللَّهَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للتحذير من المبالغة في الانتقام، لأن النفس مفطورة على حب المبالغة في الانتقام، واتقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل، ولفظ الجلالة مفعول به {وَاعْلَمُوا} عطف على اتقوا {أَنَّ اللَّهَ} أن واسمها {مَعَ الْمُتَّقِينَ} مع ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر، والمتقين مضاف إليه، وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي اعلموا.

.[سورة البقرة: آية 195]:

{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}.

.اللغة:

{التهلكة} من نوادر المصادر وليس فيما يجري على القياس، وفي القاموس: إنه مثلث اللام.
واقتصر الجوهري في صحاحه والرازي في مختاره على تثليث لام مهلك، وأما التهلكة فهي بضم اللام.

.الإعراب:

{وَأَنْفِقُوا} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للأمر بالجهاد بالمال بعد الأمر به بالنفس، وأنفقوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الجار والمجرور متعلقان بأنفقوا {وَلا تُلْقُوا} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتلقوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل {بِأَيْدِيكُمْ} الباء مزيدة، مثلها في أعطى بيده للمنقاد، لأن ألقى فعل يتعدّى بنفسه، وقيل ضمّن تلقوا معنى فعل يتعدّى بالباء، أي لا تفضوا بأيديكم، وقيل: المفعول الثاني محذوف تقديره ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم {إِلَى التَّهْلُكَةِ} الجار والمجرور متعلقان بتلقوا {وَأَحْسِنُوا} الواو عاطفة، وأحسنوا فعل أمر وفاعل {إِنَّ اللَّهَ} إن واسمها {يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به، وجملة يحب المحسنين خبر إن، وجملة إن وما في حيزها تعليلية لا محل لها.

.البلاغة:

المجاز المرسل في الأيدي، والمراد بها الأنفس، لأن البطش والحركة يكون بها، فهي مجاز مرسل علاقته الجزئية، من إطلاق الجزء وإرادة الكل، أو السببية، لأن اليد سبب الحركة كما تقدم.
لمحة تاريخية:
اختلف المفسرون في معنى إلقاء الأيدي إلى التهلكة، وأقرب ما يقال فيها: إن رجلا من المهاجرين حمل على صف العدوّ فصاح به الناس: ألقى بيده إلى التهلكة. فقال أبو أيوب الأنصاري: نحن أعلم بهذه الآية، إنما أنزلت فينا، صحبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنصرناه، وشهدنا معه المشاهد، وآثرناه على أهلينا وأموالنا وأولادنا، فلما وضعت الحرب أوزارها رجعنا إلى أهلينا وأولادنا وأموالنا نصلحها ونقيم فيها، فكانت التهلكة، الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد. وقال آخرون في تفسير هذه الآية: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، بالإسراف وتضييع وجه المعاش، أو بالكفّ عن الغزو والإنفاق فيه، فإن ذلك مما يقوي العدوّ ويسلطهم عليكم. وعن أسلم أبي عمران قال: غزونا المدينة- يريد القسطنطينية- وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد قال: فصففنا صفيّن لم أر صفيّن قط أعرض ولا أطول منهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، قال: فحمل رجل منا على العدوّ فقال الناس: مه، لا إله إلا اللّه، يلقي بيده إلى التهلكة. قال أبو أيوب الأنصاري: إنما تتأولون هذه الآية هكذا، إن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، إنّا لما نصر اللّه نبيه وأظهر الإسلام قلنا بيننا:
إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها، فأنزل اللّه الخبر من السماء، قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل اللّه حتى استشهد ودفن بالقسطنطينية، قلت: وهذه الغزوة غير الغزوة المشهورة التي مات فيها أبو أيوب، وقد غزاها يزيد بن معاوية بعد ذلك سنة تسع وأربعين للهجرة، ومعه جماعة من سادات الصحابة.
ثمّ غزاها يزيد سنة اثنين وخمسين، وهي التي مات فيها أبو أيوب، وقبره هناك إلى الآن وقد شيد عليه مسجد شهير. وإنما أطلنا في هذا الصّدد لأنه يناسب حالتنا الراهنة، وحالة كل أمة تتخلف عن الجهاد، وتهمل تعبئة الإمكانيات، وحشد الطاقات.

.[سورة البقرة: آية 196]:

{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)}.

.اللغة:

{الْعُمْرَةَ} في الحج معروفة، وقد اعتمر، وأصله من الزيارة.
قال الزجاج: معنى العمرة في العمل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة فقط، والفرق بين الحج والعمرة أن العمرة تكون للانسان في السنة كلها، والحج وقت واحد في السنة، وأحكامها في علم الفقه، والجمع: عمر وعمرات.
{أُحْصِرْتُمْ} منعتم، يقال: أحصر فلان إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز. قال ابن ميادة:
وما هجر ليلى أن تكون تباعدت ** عليك ولا أن أحصرتك شغول

{اسْتَيْسَرَ} تيسّر، يقال: يسر الأمر واستيسر.
{الْهَدْيِ} يطلق على الحيوان الذي يسوقه الحاجّ أو المعتمر هدية لأهل الحرم. وفي المختار: قرئ: {حتى يبلغ الهدي محلّه} مخفّفا ومشدّدا. والواحدة هدية وهديّة، ويقال: ما أحسن هديته أي سيرته، وكانوا يقسمون بها في أيمانهم. قال العلاء ابن حذيفة الغنوي:
يقولون من هذا الغريب بأرضنا ** أما والهدايا إنني لغريب

{مَحِلَّهُ} اسم مكان من حل يحل، أي صار ذبحه حلالا.
وكسرت الحاء لأن عين مضارعه مكسورة.